إن الحسد يتم وقوعه على شيء ليس بشرط أن يراه الحاسد، كما أن العين يكون مصدرها خبث النفس، ولكن الحسد يكون نابع من خلال ضيق القلب وأيضًا استعظام الخير المنال من المحسود. كيفية الإصابة بالعين ؟ إن العين الصائبة للإ...
[ ص: 587] [ ص: 588] [ ص: 589] بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه: ( والعصر ( 1) إن الإنسان لفي خسر ( 2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( 3)). اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( والعصر) فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر ، فقال: العصر: هو الدهر. ذكر من قال ذلك: حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله: ( والعصر) قال: العصر: ساعة من ساعات النهار. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( والعصر) قال: هو العشي. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر ( والعصر) اسم للدهر ، وهو العشي والليل والنهار ، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى ، فكل ما لزمه هذا الاسم ، فداخل فيما أقسم به جل ثناؤه. وقوله: ( إن الإنسان لفي خسر) يقول: إن ابن آدم لفي هلكة ونقصان. وكان علي رضي الله عنه يقرأ ذلك: ( إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر). حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل ، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال: أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مر ، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقرأ هذا الحرف ( والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر).
قال تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين في سورة آل عمران. وتعريف الإنسان تعريف الجنس مراد به الاستغراق ، وهو استغراق عرفي [ ص: 531] لأنه يستغرق أفراد النوع الإنساني الموجودين في زمن نزول الآية ، وهو زمن ظهور الإسلام كما علمت قريبا. ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها. ولما استثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققا في غير المؤمنين كما سيأتي... والخسر: مصدر ، وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبة حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإنسان في آخرته من نعيم أو عذاب. وقد تقدم في قوله تعالى: فما ربحت تجارتهم في سورة البقرة. وتكررت نظائره في القرآن آنفا وبعيدا. والظرفية في قوله: لفي خسر مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف ، فكانت أبلغ من أن يقال: إن الإنسان لخاسر. ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقسم وحرف التوكيد في جوابه ، يفيد التهويل والإنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس. وأعقب بالاستثناء بقوله: إلا الذين آمنوا الآية. فيتقرر الحكم تماما في نفس السامع مبينا أن الناس فريقان: فريق يلحقه الخسران ، وفريق لا يلحقه شيء منه ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئا من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات.
فالصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فالمؤمن يحتاج إلى الصبر في إيمانه وعمله ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وغير ذلك. وقد أقسم الله بالعصر -وهو الزمان الذي هو محل أعمال بني آدم من خير وشر- على أن بني الإنسان في خسران، يعني في نقص في أيامهم ولياليهم، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلا الذين تخلقوا بهذه الأخلاق الأربعة من: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. فالواجب على كل ذي لب، الواجب على طالب النجاة، الواجب على الخائف من الله والراغب بما عنده أن يهتم بهذه الأمور الأربعة، وأن يعنى بها وأن يجتهد في تحقيقها، وذلك بالإيمان بالله ورسوله إيمانا صادقا يثمر العمل الصالح ويثمر التواصي بالحق ويثمر التواصي بالصبر. فالمؤمن هو الذي عرف الله وآمن به سبحانه وآمن برسله عليهم الصلاة والسلام، وصدقهم فيما أخبروا به وآمن بما كان وما يكون على حسب ما أخبر به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى حسب ما دل عليه كتاب الله ، هذا هو المؤمن، وهذا الإيمان الصحيح المتركز على الأدلة الشرعية يثمر العمل الصالح، فكل إيمان صادق يدعو إلى العمل والاجتهاد في الخير والتواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه، وكلما حصل نقص في العمل أو في التواصي والدعوة أو في الصبر فما ذاك إلا من نقص الإيمان ومن ضعف الإيمان، وعلى حسب قوة الإيمان وكمال العلم يكون عمل الإنسان ويكون اجتهاده في الخير ويكون حذره من الشر، ويكون نصحه للعباد وتواصيه معهم بالحق وتواصيه معهم بالصبر.
ومن أكبر الأعمال الصالحات التوبة من الذنوب لمقترفيها ، فمن تحقق فيه وصف الإيمان ولم يعمل السيئات أو عملها وتاب منها ، فقد تحقق له ضد الخسران وهو الربح المجازي ، أي: حسن عاقبة أمره ، وأما من لم يعمل الصالحات ولم يتب من سيئاته ، فقد تحقق فيه حكم المستثنى منه وهو الخسران. وهذا الخسر متفاوت ، فأعظمه وخالده الخسر المنجر عن انتفاء الإيمان بوحدانية الله وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون ذلك تكون مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السيئة ظاهرها وباطنها. وما حدده الإسلام لذلك من مراتب الأعمال [ ص: 532] وغفران بعض اللمم إذا ترك صاحبه الكبائر والفواحش ، وهو ما فسر به قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. وهذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإنذار والوعيد ، أي: لفي خسر في الحياة الأبدية الآخرة ، فلا التفات إلى أحوال الناس في الحياة الدنيا ، قال تعالى: لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد. وتنكير ( خسر) يجوز أن يكون للتنويع ، ويجوز أن يكون مفيدا للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسم. والمعنى: إن الناس لفي خسران عظيم وهم المشركون. والتعريف في قوله ( الصالحات) تعريف الجنس مراد به الاستغراق ، أي: عملوا جميع الأعمال الصالحة التي أمروا بعملها بأمر الدين ، وعمل الصالحات يشمل ترك السيئات.
شركة مرتضى, 2024